الدرعية… أرض المجد والعز

الدرعية… أرض المجد والعز

الدرعية ليست مجرد أرض، بل رمز للمجد والعز، وُصفت بأنها عاصمة الدولة السعودية الأولى. تقع الدرعية التاريخية كواحدة من واحات وادي حنيفة في منطقة الرياض، وتبلغ مساحتها 2020 كم².

سُمّيت الدرعية بهذا الاسم نسبةً إلى أهلها؛ أهل حصن الدروع الذين يعود نسبهم إلى قبيلة استوطنت وادي حنيفة لقرون طويلة. تأسست الدرعية عام 850هـ عندما انتقل مانع بن ربيعة المريدي، جدّ الأسرة السعودية، من شرق الجزيرة العربية إلى وادي حنيفة استجابةً لدعوة قريبة له تُدعى “ابن درع”، زعيم المنطقة. عند وصوله، منحه ابن درع موضعي المليبيد وغصيبة، وليس هناك إجماع على إحياء اسم مستقره القديم قرب القطيف، أو نسبته إلى ابن درع نفسه.

وقد أكّد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود هذه الرواية في كتابه «الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية»، حيث أوضح أن أعدادًا من أسود عادوا إلى منطقة اليمامة بناءً على دعوة ابن درع، الذي أقطع لهم المليبيد وغصيبة. ومنذ ذلك الحين أصبحت الدرعية مركزًا سياسيًا مهمًا ومهدت الطريق لقيام الدولة السعودية.

ازدهار الدرعية ودورها في نشأة الدولة السعودية

على ضفاف وادي حنيفة ازددهرت الدرعية، وأصبحت إحدى أبرز مدن نجد خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين. كانت الدرعية حينها نقطة تحول في تاريخ المنطقة؛ فكانت بمثابة العاصمة التي مهدت لامتداد نفوذها في الجزيرة العربية.

وفي عام 1139هـ/1727م أصبحت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، مما جعلها هدفًا استراتيجيًا للقوى المنافسة، خصوصًا الدولة العثمانية.

حصار الدرعية وتضحياتها

في عام 1233هـ واجهت الدرعية تحديًا كبيرًا عندما وصلت الجيوش العثمانية بقيادة الضابط الفرنسي "سيفو قاسم". بلغ قوام الحملة نحو 20 ألف فارس وجندي، مزودين بمدفعية وأطباء وخبراء عسكريين إيطاليين. بدأ الجيش العثماني حصار الدرعية، مستخدمًا المدافع لقصفها بلا هوادة، واستمر الحصار قرابة شهرين، رغم بسالة السعوديين، لا سيما في معركة «سمحان»، متمكنين من السيطرة على جنوب الدرعية بعد معارك شرسة.

ومع اشتداد الحصار ونفاد الطعام والماء، تفاقمت معاناة السكان، مما دفع الإمام عبد الله بن سعود إلى التفاوض مع إبراهيم باشا، أملًا في حماية أهل الدرعية. أبرم اتفاق يقضي بتسليم الإمام عبد الله نفسه والدرعية، مقابل ضمان سلامة السكان وعدم المساس بممتلكاتهم. لكن إبراهيم باشا سرعان ما نقض العهد، فاقتيد الإمام عبد الله إلى إسطنبول حيث أعدم هناك، وارتكب جنود العثمانيين مجازر بحق أهل الدرعية، بلغ عدد ضحاياها نحو 1300 شخص، كما دُمّرت البيوت وأُحرقت المزارع.

تُعد هذه الحادثة من أكبر المآسي التي شهدتها الجزيرة العربية.

ورغم ذلك، خَلَدت الدرعية اسمها في التاريخ، ولم يطمس أمجادها شيء. فقد عادت لتأخذ مكانتها مجددًا عند قيام الدولة السعودية عام 1319هـ/1901م.

الدرعية في قائمة اليونسكو

أُدرج حي الطريف ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو نظرًا لما يحويه من معالم تاريخية بارزة، مثل حي «البجيري» وحي «الطريف» الذي كان قلب الدولة السعودية الأولى.

ويُعد إدراج حي الطريف ضمن التراث العالمي اعترافًا بدورها التاريخي ومكانتها الحضارية، ويؤكد على أهمية الحفاظ على إرثها الغني للأجيال القادمة.

الدرعية اليوم… وجهة سياحية وثقافية بارزة

تُعد الدرعية اليوم وجهة سياحية وثقافية رائدة، حيث تعمل السعودية على تطويرها ضمن رؤية 2030 لتحويلها إلى مركز ثقافي يعكس التراث السعودي العريق، ويروي قصة نشأة الدولة الأولى ومقاومتها للتحديات.

وما تزال الدرعية، رغم ما مرّ بها من نكبات شاملة، شاهدة على تاريخها، لم يَنلْ منها الزمن، بل ازداد سموّها في ذاكرة الوطن.